من ذل لله عز بالله

الخاطرة

من ذل لله عز بالله

1624 | 22-06-2017

يا عبد الله أناديك؛ وأقول: كن عبدا لله حقا وصدقا، تذلل لربك ومولاك واعرف قدره، وعظمه تعظيما، وكبره تكبيرا.

لينكسر قلبك بين يديه اسجد لربك واقترب منه؛ فكل سجدة لله ترفعك درجة لأنك حققت الذل لوجهه I فكافئك بأن رفع درجتك ومنزلتك في الدارين.

فلن ترتفع بمثل الذل والخضوع لمولاك، ولن يعرف الناس قدرك إلا إذا عرفت قدر ربك العظيم.

فكل من ذل لله أعزه الله، وكل من حقق العبودية لله ارتفع قدره وعلا شأنه. وانكسارك بين يدي ربك العظيم يكسر الغرور في نفسك ويطهر قلبك من ذرات الكبر التي لو بقيت في قلبك لما دخلت الجنة؛ فقد قال نبينا r: «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر»([1][1]).

والتذلل بين يدي الله يحيي القلب الميت، ويلين القلب القاسي ويقربك من ربك نجيا؛ وصدق حبيبنا r: «وإن أبعد الناس من الله القلب القاسي»([2][2]).

فكما أن العتاة الجفاة قساة القلوب قد أبعدهم الله وطردهم من رحمته بغضا منه لهم؛ فكذا عباده الرحماء أهل القلوب الرقيقة اللينة الخاشعة الذليلة لله قد قربهم ربهم منه نجيا، واجتباهم، واصطفاهم من بين خلقه، واستخلصهم لنفسه سبحانه، وألقى عليهم محبة منه U.

ويتحقق الذل لله تعالى بالخلوة مع الله، والتفكر في آياته، وكثرة دعائه ومناجاته، وخاصة بتكرار دعاء سيد الاستغفار المعروف المشهور:«اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني..الخ » ([3][3])، ودعاء اذهاب الهم والغم المعروف المشهور: «اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك ناصيتي..» ([4][4]).

ويتحقق الذل لله كذلك باستحضار عظمته سبحانه، وتفريطك في جنبه وتقصيرك في حقه عليك، ولن تدخل أيها المؤمن على الله تعالى من باب أعظم ولا أوسع، ولا أفضل من باب الذل له حتى الملوك إذا أرادوا العز والتمكين فلابد لهم من دخول باب الذل لله تعالى.

وقد اشتهر كفار قريش بالكبر، والتكبر على توحيد الله وعبادته والتذلل بين يديه فأذلهم الله، وكسرهم: {إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون} [الصافات:35].

وقالوا كذلك: والله لا تعلوا أستاهنا جباهنا؛ أي أنهم لا يرضوا بوضعية السجود لله!؛ لأنهم متعاظمين في أنفسهم لا يرضون بتوجيه وجوههم لله، ولا التذلل بين يدي ربهم.

وأما العبد المؤمن فيردد دائما بقلبه ولسانه: {إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا} [الأنعام:79].

فتوجيه وجهك لله تكون بدايته بالسجود لله لأنه كما جاء في الحديث:«أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء»([5][5])؛ فوجهك الذي هو أكرم شيء عليك تذله بين يدي ربك بأن تسجد عليه، وكما وصاك ربك سبحانه: {كلا لا تطعه واسجد واقترب} [العلق:19].

ثم أقول لك اسجد وازدد قربا، ثم اسجد وازدد قربا، وهكذا، وهكذا حتى تكون أقرب الناس لله، فتدخل على ربك من باب العبودية الخالصة التي هي التذلل والخضوع بين يديه سبحانه.

وعندما تقترب من الله يقترب الله منك: «وإن تقرب مني شبرا تقربت إليه ذراعا، وإن تقرب إلي ذراعا، تقربت منه باعا»([6][6]).

فالذل بين يديه سبحانه هو العز الدائم لك أيها العبد المؤمن ولن يخيب الله تعالى عبد ذل بين يديه ولن يقصي الله تعالى عبد اقترب منه وتقرب إليه، ولن يحرق الله وجه سجد له، وتوجه إليه، والشرط في هذا كله الإخلاص لوجهه وابتغاء مرضاته.

وعن يحيى بن يحيى قال: كنت عند سفيان بن عيينة رحمه الله إذ جاء رجل فقال:يا أبا محمد، أشكو إليك من فلانة – يعني امرأته – أنا أذل الأشياء عندها وأحقرها، فأطرق سفيان مليا ثم رفع رأسه فقال: لعلك رغبت إليها لتزداد عزا فقال: نعم يا أبا محمد، قال: من ذهب إلى العز ابتلي بالذل، ومن ذهب إلى المال ابتلي بالفقر، ومن ذهب إلى الدين يجمع الله له العز والمال مع الدين، ثم أنشأ يحدثه فقال: كنا إخوة أربعة، محمد وعمران وإبراهيم وأنا فمحمد أكبرنا وعمران أصغرنا، وكنت أوسطهم، فلما أراد محمد أن يتزوج رغب في الحسب فتزوج من هي أكبر منه حسبا فابتلاه الله بالذل، وعمران رغب في المال فتزوج من هي أكثر منه مالا فابتلاه الله بالفقر، أخذوا ما في يديه ولم يعطوه شيئا.

فبقيت في أمرهما، فقدم علينا معمر بن راشد فشاورته وقصصت عليه قصة إخوتي، فذكرني حديث يحيى بن جعدة وحديث عائشة، فأما حديث يحيى بن جعدة قال النبي r: «تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، وجمالها، ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك»([7][7])، وحديث عائشة-رضي الله عنها- أن النبي r قال: «أعظم النساء بركة أيسرهن مؤنة» ([8][8]) فاخترت لنفسي الدين وتخفيف الظهر اقتداء بسنة نبي الله r، فجمع الله لي المال مع الدين([9][9]).

فاللهم حققنا بالخشية، والذل لك، وأكرمنا بالخشوع بين يديك وأعنا على الخضوع لشريعتك، والإنقياد لأوامرك كما تحب وترضى يا رب العالمين يا حي يا قيوم.



([1][1]) أخرجه مسلم في صحيحه (91) من حديث ابن مسعود t.

([2][2]) أخرجه الترمذي في سننه (2411) من حديث عبد الله بن عمر t، وقال: حسن غريب.

([3][3]) أخرجه البخاري برقم (6306) من حديث شداد بن أوس t.

([4][4]) أخرجه بن حبان في صحيحه (972) من حديث عبد الله بن مسعود t.

([5][5]) أخرجه مسلم في صحيحه (482) من حديث أبي هريرة t.

([6][6]) أخرجه مسلم في صحيحه (2675) من حديث أبي هريرة t.

([7][7]) أخرجه البخاري (5090)، ومسلم (1466) من حديث أبي هريرة t.

([8][8]) أخرجه أحمد في مسنده (24555) من حديث عائشة رضي الله عنها.

([9][9]) [الحلية (تهذيبه) 2 / 436].

احصائية الزوار

الاحصائيات
لهذا اليوم : 11
بالامس : 124
لهذا الأسبوع : 11
لهذا الشهر : 2217
لهذه السنة : 16873
منذ البدء : 126278
تاريخ بدء الإحصائيات : 12-10-2011

التواجد الآن

يتصفح الموقع حالياً  6
تفاصيل المتواجدون

تصميم وتطوير كنون